لندن تتواصل مع كييف بعد اعتقالها بريطانياً بتهمة التجسس لصالح موسكو
لندن تتواصل مع كييف بعد اعتقالها بريطانياً بتهمة التجسس لصالح موسكو
أعلنت المملكة المتحدة، اليوم الخميس، أنها على اتصال وثيق مع السلطات الأوكرانية بعد اعتقال أحد مواطنيها في كييف بتهمة التجسس لصالح روسيا، في حادثة جديدة تُبرز حساسية الصراع الاستخباراتي المتصاعد بين موسكو والغرب منذ اندلاع الحرب الأوكرانية قبل أكثر من ثلاث سنوات.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية لوكالة "فرانس برس": "نحن على علم بالتقارير التي تتحدث عن اعتقال مواطن بريطاني في أوكرانيا، ونبقى على اتصال وثيق مع السلطات الأوكرانية".
ورغم امتناع لندن عن تقديم تفاصيل إضافية حول هوية المعتقل أو طبيعة الاتهامات، فإنها أكدت أنها تتابع القضية عن كثب عبر قنواتها الدبلوماسية المعتمدة في كييف.
اتهامات خطيرة
كشفت أجهزة الأمن الأوكرانية (SBU)، الأربعاء، أنها أوقفت "مدرّباً عسكرياً أوروبياً" بتهمة التجسس لصالح جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، دون أن تذكر جنسيته في البداية.
وذكرت في بيان أن المشتبه به تلقى تعليمات من موسكو حول "كيفية تصنيع عبوات ناسفة"، إضافة إلى تزويده بمسدس وذخيرة لأغراض عملياتية، مشيرة إلى أنه كان ينفذ مهاماً ميدانية في مناطق حساسة قرب خطوط الجبهة.
وفي وقت لاحق، أكدت النيابة العامة الأوكرانية أن المتهم "مواطن من المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية"، مشيرة إلى أنه دخل الأراضي الأوكرانية عام 2024 في إطار برنامج لتدريب القوات الأوكرانية على التكتيكات العسكرية الحديثة، قبل أن ينتقل إلى العمل مع حرس الحدود الأوكراني.
تعاون مقابل المال
أوضحت النيابة أن البريطاني الموقوف بدأ بعد أشهر من وصوله إلى أوكرانيا بالتعاون مع جهاز الأمن الروسي، حيث "وافق على نقل معلومات عسكرية وأمنية مقابل مبالغ مالية".
وأضافت أن المعلومات التي جمعها تتعلق بتحركات وحدات أوكرانية، ومواقع تدريب واستراتيجية انتشار القوات، وهي معلومات تعتبرها كييف شديدة الحساسية في ظل استمرار الحرب ضد روسيا.
وبحسب القانون الأوكراني، يواجه المشتبه به عقوبة تصل إلى 12 عاماً من السجن ومصادرة أصوله في حال ثبوت التهم الموجهة إليه. وأكدت النيابة أنه جرى توقيفه داخل العاصمة كييف بعد عملية مراقبة استمرت عدة أسابيع.
حرب تجسس تتصاعد
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، شهدت البلاد تصاعداً غير مسبوق في النشاطات الاستخباراتية، حيث فتحت كييف آلاف التحقيقات المتعلقة بالتعاون مع روسيا.
ويقول مسؤولون أمنيون أوكرانيون إن جهاز الأمن الروسي كثف محاولاته لاختراق المؤسسات العسكرية والأمنية الأوكرانية عبر عناصر أجنبية أو أوكرانيين جرى تجنيدهم خلال فترة الاحتلال في بعض المناطق الشرقية والجنوبية.
ويُذكر أن أجهزة الأمن الأوكرانية أعلنت، خلال الأشهر الماضية، عن تفكيك شبكات تجسس في مدن عدة، من بينها أوديسا وخاركيف ولفيف، حيث تم ضبط أفراد يُعتقد أنهم نقلوا معلومات إلى موسكو عن مواقع تخزين الأسلحة الغربية التي تصل إلى أوكرانيا.
موقف بريطاني حذر
تتعامل لندن مع القضية بحذر شديد، إذ تخشى أن يُستغل اعتقال المواطن البريطاني لأغراض دعائية روسية تهدف إلى إظهار الغرب كطرف متورط في أنشطة "مزدوجة" داخل الأراضي الأوكرانية.
وفي المقابل، لم يصدر عن موسكو أي تعليق رسمي حتى الآن بشأن الحادثة، بينما يرى مراقبون أن روسيا قد تستخدم هذه الواقعة لتقويض الثقة بين أوكرانيا وحلفائها الغربيين.
ومنذ بداية الحرب، كانت المملكة المتحدة من أوائل الدول الغربية التي قدّمت تدريباً ودعماً عسكرياً كبيراً لأوكرانيا، سواء داخل الأراضي الأوكرانية أو في قواعد خاصة بدول أوروبية مجاورة.
وأشرف المدربون البريطانيون على تدريب عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين ضمن برنامج "إنترفلكس" الذي أطلقته لندن عام 2022، بالتعاون مع دول في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
لذلك، فإن تورط أي مواطن بريطاني في أعمال تجسس لصالح روسيا، إن ثبتت الاتهامات، قد يمثل ضربة رمزية قاسية للعلاقة الاستراتيجية بين لندن وكييف، ويثير تساؤلات حول آليات التحقق الأمني في برامج التدريب العسكرية الغربية.
بين الأمن والسياسة
يرى محللون أن هذه الحادثة تعكس تعقيدات الحرب الحديثة التي تجاوزت ميدان القتال إلى ميدان المعلومات والاستخبارات، حيث تتداخل المصالح والولاءات داخل بيئة شديدة التعقيد.
وفي وقت تُكثّف فيه أوكرانيا جهودها لملاحقة العملاء المحتملين، تواجه الحكومة الأوكرانية ضغوطاً متزايدة من الغرب لضمان الشفافية القانونية واحترام حقوق المتهمين، في ظل حساسية العلاقات مع الدول الداعمة.
وتؤكد هذه الواقعة أن الحرب الخفية بين موسكو والغرب مستمرة، حتى وإن تراجعت وتيرة المعارك الميدانية. فبينما تتنافس الجيوش على الأرض، تدور معركة أخرى في الظل، تستخدم فيها المعلومات كسلاح لا يقل خطورة عن الصواريخ.










